البخيل ومانعى الزكاة
يقول الله تعالى : "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا
لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ، ولله ميراث السماوات والأرض
والله بما تعملون خبير " آل عمران – 180 .
ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (
عرض على أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما أول ثلاثة
يدخلون الجنة فالشهيد ، ومملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده ، وعفيف متعفف ذو
عيال ، وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدى حق
الله تعالى فى ماله ، وفقير فخور) أخرجه ابن خزيمة وابن حان فى صحيحيهما.
كيف السبيل اذا ماتحجرت الضمائر ،وقست
القلوب ، ووقعت النفوس فى براثن الشح والبخل وهى الادخار والاكتناز ؟
كيف السبيل اذا لم يجد الناس ضميرا يدفعهم
لاخراج الزكاة ، ولا قانونا يردعهم عن منعها ؟!
الذين تحجرت ضمائرهم ، وقست قلوبهم وعاشت
نفوسهم مع البخل والاكتناز نقف موقفنا هذا ،من أجل أن نعرفهم على العقوبة العاجلة
التى تنتظرهم، والجزاء المؤخر الذى أخر لهم فى عرصات القيامة .
نقف معهم عسى أن تستيقظ النفوس من غفلتها
والقلوب من رقدتها ، والضمائر من تحجرها ، وها هو القرآن الكريم يدق أجراس الخطر
فى وجوههم فيقول : " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل
الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بهم جباههم وجنوبهم
وظهورهم ، هذا ما كزتم لأنفسكم فذوقوا ماكنتم تكنزون " التوبة- 34 .
وهنا نتساءل : كيف يكون هذا الكى ولم خصت هذه الأعضاء
بالكى .. لم خص
يجيبنا الصحابى الجليل سيدنا عبدالله بن
مسعود رضى الله عنه فيقول : " لا يكوى رجل يكنز فيمس درهم درهما ، ولا دينار
دينارا ،يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته ". أى أن الجسم سيكبر
ويكبر حتى يوضع كل درهم ودينار على جلده فيسعه ليذوق عذاب ناره ..فاذن أستطيع أن
أقول لكى أخبرنى كم تكتنز من المال ، أو
كم تملك من المال فاخبرك كم سيكون طول جسمك وعرضه ، وحسب نوع العملة دولار كانت أم
غير ذلك .. هذا بالنسبة لأصحاب النقد ، أما أصحاب الابل والابقار والأغنام فعنهم
يقول صلى الله عليه وسلم : ( هو الأخسرون ورب الكعبة ، هم الأخسرون ورب الكعبة الأكثرون إلا من قال فى عباد الله
هكذا وهكذا وقليل ماهم ، والذى نفسى بيده مامن رجل يموت ويترك غنما أو ابلا أو
بقرا لم يؤد زكاتها الا جاءته يوم القيامة أعظم ماتكون وأسمن حتى تطأه بأظلافها
وتنطحه بقرونها حتى يقضى بين الناس كلما نفدت أخراها عاد عليه أولاها ) أخرجه
البخارى ومسلم . فيا أيها المسكين : هذا
مالك اهنأ به " ذق أنك أنت العزيز الكريم.
أما لماذا خص الله تعالى الجباه والجنوب
والظهور بالكى ، لأن الغنى البخيل اذا رأى الفقير عبس وجهه وزوى مابين عينيه ،
وأعرض لجنبه ، فاذا قرب منه ولاه ظهره فعوقب بكى هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس
العمل .
أيها الأخوة : ومع كى الجباه والجنوب
والظهور هناك عقوبة من نوع آخر تنتظر مانع الزكاة يقول عليه الصلاة والسلام :
" من ترك بعده كنزا – والكنز هو المال الذى لا تؤدى زكاته ولذلك قال ابن عمر
: من أدى زكاته فليس بكنز وان كان تحت سبع أرضين ، وما كان ظاهرا لا تؤدى زكاته
فهو كنز – مثل له يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان يتبعه فيقول : من أنت ؟ فيقول
: أنا كنزك الذى خلفت ، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقصمها بأكلها .. ثم يتبعها
سائر الجسد " وفى رواية :
( يطوق به عنقه – أى بالشجاع الأقرع – ثم
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله : " ولا يحسبن
الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله . الآية") أخرجه النسائى وابن خزيمة
وغريهما ، واسناده صحيح ,
وفى
اسرائه ومعراجه ( يمر صلى الله عليه وسلم بأناس على أدبارهم رقاع وعلى اقبالهم
رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام الى الضريع والزقوم ورضف جهنم قال : ماهؤلاء ياجبريل
؟ قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم ، وما ظلمهم الله ، وما الله بظلام
للعبيد ).
ونختتم حديثنا بقصة أصحاب الجنة (البستان)
الذين ذكرهم الله فى القرآن الكريم . كان لرجل صالح بستان ، وكان ينادى الفقراء
وقت الجنى ، وقطع الثمرة ، ويترك لهم ما أخطأه المنجل ، وألقته الريح ، أو يجمع
ثمر النخل ، ويترك لهم مايبسط تحت النخلة ، فيجمع لهم شئ كثير ، فلما مات ، قال
ابناؤه : لأن فعلنا كان يفعله أبونا ضاق علينا الأمر ، فحلفوا ليقطعنا وقت الصباح
، خفية عن المساكين . وفى ذلك يقول الله تعالى : " إنا بلوناكم كما بلونا
أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ، ولا يستثنون " .
فكانت العاقبة :" فطاف عليها طائف
من ربك وهم نائمون ، فأصبحت كالصريم ، فتنادوا مصبحين ان اغدوا على حرثكم ان كنت
صارمين ، فانطلقوا وهم يتخافتونان لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ، وغدوا على حرد
قادرين ، فلما رأوها قالوا إنا لضالون ، بل نحن محرومون ، قال أوسطهم ألم أقل لكم
لولا تسبحون ، قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ،
قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين ، عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا الى ربنا راغبون
، كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " سورة القلم 18-34 .
تعليقات
إرسال تعليق